ما بعد برخان: الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي..(بين المراجعات الإستراتيجية والتداعيات الأمنية)
ما بعد برخان: الانسحاب العسكري الفرنسي من مالي..(بين المراجعات الإستراتيجية والتداعيات الأمنية)
أ.د./نسيم بلهول
01/09/2022
مقدمة:
مدفوعة من طرف “عوائق” فرضها المجلس العسكري الحاكم في باماكو، قامت كلا من فرنسا وشركاؤها الأوروبيين بإضفاء الطابع الرسمي على انسحابهم العسكري من مالي، وذلك بعد قرابة تسع سنوات من حربهم ضد الجماعات المسلحة تحت قيادة باريس. في حين كانوا قد التزموا في وقت سابق أمام دول الساحل بالمرابطة على هذه المهام. ونظرا للعديد من العقبات التي فرضتها السلطات الإنتقالية في مالي، فإن كلا من كندا وبقية الدول الأوروبية – التي تعمل جنبًا إلى جنب في إطار عملية برخان1 (الفرنسية)، وضمن فريق عمل “تاكوبا – Takuba”2، تعتقد أن الشروط هي شبه غائبة لمتابعة التزامها وبشكل فعال، في العملية العسكرية الحالية في مالي. ما يعني بداية عملية الانسحاب المنسق من تلك الأراضي، في ظل ما اعتبرته فرنسا استحالة البقاء عسكريا بالأراضي المالية إلى جانب سلطات الأمر الواقع التي لا تتقاسم معها نفس الرؤية الإستراتيجية3، بل ولأن أهداف السلطات المالية، في منظور صناع القرار بباريس، أضحت أكثر غموضا مما كانت عليه.4
غير أن قرار الانسحاب هذا يأتي في ظل ضبابية وغموض يلفان الموقف الإستراتيجي الفرنسي، الذي لا يزال يريد، وفي الوقت ذاته، الاستمرار في المشاركة في تقديم الدعم لبلدان الساحل والدول المجاورة لها (خليج غينيا وغرب إفريقيا)، وذلك قصد احتواء ما تسميه بـ “التهديد الإرهابي”، وفي إطار ما أطلق عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ “ضرورة تحديد معايير جديدة خاصة بعملية إعادة التنظيم الإستراتيجي في المنطقة (يقصد الساحل) بحلول شهر جوان من السنة الجارية (2022)”5. ومن المحتمل أن يؤدي رحيل فرنسا إلى فتح آفاق إستراتيجية جديدة أمام فاعلين آخرين يملكون من الوسائط والحسابات ما من شأنه أن يخلط حسابات النفوذ على باريس.
في ظل توسع دائرة أولويات ما يمكن وصفه بـ: “استراتجية التوسع” أمام كلا من تنظيميْ القاعدة والدولة الإسلامية. و أيضا في ظل بيئة استراتيجية معقدة أضحت تعرفها المنطقة، والتي باتت احتمالاتها ومآلاتها مفتوحة وحرجة في نفس الوقت، تأتي هذه الدراسة كمحاولة لتفكيك المعادلة الإستراتيجية المفروضة على منطقة الساحل، وعلى مالي على وجه الخصوص، بحكم كونها الحلقة الأضعف من مجموع الدول المشكلة لهذه المنطقة.
Qui sont les groupes islamistes qui opèrent en Afrique de l’Ouestتنزيل
- الخروج من مالي: إعتراف بالهزيمة أم مراجعة استراتجية؟:
على الرغم من الانتصارات التكتيكية التي حققتها القوات الفرنسية المتواجدة على الأراضي المالية، إلا أنها في حقيقة الأمر لم تؤمِّن استيلاء كاملا للأرض لصالح الدولة المالية وقواتها المسلحة. وهذا يعود أساسا لاعتبارات فرضتها تعقيدات بيئة الحكم السياسي في باماكو، على النحو لذي تؤكده حادثة الإطاحة بالحكومة المالية في انقلاب مزدوج خلال عاميْ 2020 و2021، الذي أدى من جهة إلى وصول المجلس العسكري إلى السلطة -في ظل تعنته ومماطلته ولسنوات عديدة، عن إجراء الانتخابات-، وإلى تغذية وتصعيد المشاعر المعادية للفرنسيين المتزايدة في المنطقة من جهة ثانية.6 علما ان فرنسا لا تزال ترفض فكرة فشلها في مالي، لكونها ترى أن تدخلها العسكري في مالي سنة 2013 جنّب البلاد الكثير من الفوضى والإنهيار7، وأن جنودها البالغ عددهم بمنطقة الساحل 4300 جندي (منهم 2400 جندي متواجد في مالي وحدها – قبل الانسحاب – كجزء من عملية برخان)،أحرزوا الكثير من الانتصارات على مسرح العمليات، بما في ذلك القضاء على أمير القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في جوان 2020.8
علما أن الجنود الأوروبيين المشاركين في مجموعة “تاكوبا” للقوات الخاصة سيتم إعادة نشرهم، هذا إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية في المنطقة الحدودية المالية9، التي تعد قلب نظام ما يعرف بـ “مكافحة الإرهاب” الفرنسي والأوروبي في منطقة الساحل. غير أن قرار تخفيض القوة العسكرية الفرنسية العاملة في المنطقة بداية من صائفة عام 2021، والذي يُرى أنه سيكون لصالح نظام إقليمي أقل وضوحًا، يدفع فرنسا في إطار رحيلها القسري من مالي إلى المسارعة في إعادة التنظيم والانتشار في الكثير من دول المنطقة، والتي تعاني من نفس التهديد على غرار النيجر. وهو ما يبرر قرار هيئة الأركان العامة للجيش الفرنسي المتعلق بإبقاء نحو 2500 إلى 3000 جندي فرنسي بمنطقة الساحل، وذلك بعد تأمين عملية الانسحاب شبه الكامل لقواتها من مالي.10
يأتي هذا الانسحاب في ظل تأييد الرأي العام الفرنسي، وبشكل متزايد لمسألة إنهاء التدخل العسكري لقوات بلاده في مالي، خاصة في ظل تنامي “المشاعر المعادية للفرنسيين” في باماكو. في وقت كانت فيه فرنسا تفكر في تغيير استراتيجية عملها في منطقة الساحل ككل. بمعنى: إنهاء كلي لعملية برخان، مقابل إعادة نشر قواتها في شكل وحدات مدمجة في القوات المالية، وخفض عدد جنودها المنتشرين، مع تعزيز القدرات الاستخباراتية، واستخدام الطائرات بدون طيار.11
- نهاية عملية برخان: قراءة في حوصلة التدخل العسكري الفرنسي في مالي
بعد إعلان الرئاسة الفرنسية بتاريخ 17 فيفري 2022 عن انسحاب القوات الفرنسية من مالي، خاصة بعد التحولات العميقة التي عرفتها عملية برخان عام 2021، فإنه كان واضحا أن مثل هذه العملية، ونظرا لتعقيدات وضخامة مناورة فك الارتباط اللوجستية التي تتطلبها، ستستغرق أشهرا عدة.
كما يأتي هذا القرار في ظل بيئة مضرة بالمصالح الفرنسية بل ومعادية لها، على النحو الذي تؤكده المؤشرات الآتية: توتر العلاقات الفرنسية مع الانقلابيين العسكريين في السلطة بباماكو، والتي تبعتها عملية طرد للسفير الفرنسي منها. بالإضافة إلى استدعائها لمرتزقة روس من شركة “فاغنر- Wagner”، من أجل الاستعانة بهم في عملية مكافحة الجماعات المسلحة. في وقت لا تزال فيه الهجمات المميتة لهذه الجماعات التي قاتلها في وقت سابق الجنود الفرنسيون ذاتهم مستمرة في كل من مالي، النيجر وبوركينا فاسو، وبنحو متزايد في بعض دول منطقة خليج غينيا، على غرار ساحل العاج وبنين.12 وعلى الرغم من ذلك،لم يكن الانسحاب الفرنسي من المنطقة كاملا، حيث لاتزال تحتفظ فرنسا بقواتها في كل من النيجر وتشاد، وذلك وفقًا لشروط لم تحددها فرنسيا بعد. كما تستمر هذه الأخيرة في التواجد بالمنطقة من خلال أدواتها الدبلوماسية ودعمها التنموي.13 بعد كل هذا يمكن التأكيد على طي صفحة عملية برخان نهائيا بمالي (ينبغي التأكيد على هذا حتى لا يختلط في ذهن القارئ ذلك مع استمرار تواجدها في المنطقة)، وهو ما يقتضي تقييما أوليا لهذا السلوك، وذلك اعتمادا على مقاربة تحليل القرارات ومخرجات الالتزام العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل عام، وكذا من خلال تسليط الضوء على الخيارات الأخرى التي كان بالإمكان القيام بها. وعليه، ستركز الدراسة أولاً من خلال هذا العنصر على العمل العسكري، حتى ولو بدا أنه لا يمكن فحصه بمعزل عن الديناميكيات الأخرى: السياسية، الاجتماعية والاقتصادية.
لقد كانت عملية “برخان” وريثة – كما سبق ذكره – لعملية “سرفال” التي انطلقت في جانفي 2013، وهذا من أجل استعادة السيطرة على أراضي شمال مالي التي كانت قد سقطت في أيدي الجماعات المسلحة.14 لذلك يجب تحليل العملية في ضوء الخيارات التي تم اتخاذها بين عامي 2013 و2014، وهذا من خلال التركيز على أربعة منها، هي كالآتي:
1.2. ترسيخ الوجود العسكري في منطقة الساحل مع مرور الوقت:
ربما ما كان لعملية برخان أن يكون لها وجودا لو أن عملية سرفال نجحت في طرد الجماعات المسلحة من مدن شمال مالي. حيث كان من الممكن بالنسبة لفرنسا اتخاذ قرار بمغادرة ذلك البلد (مالي) والقيام بعمل عسكري جديد في حالة ما إذا تأكد وجود خطر وشيك، سيما مع الإمكانيات الهامة التي تتمتع بها قواتها الخاصة في تنفيذ عمليات جد حساسة وخاصة. ولربما أيضا، مع غياب أيّ تدخل عسكري فرنسي لكانت السلطات المالية على خط المواجهة مع عدو في جاهزية تامة ومتمرس على وضعيات القتال المختلفة، في ظل إبقائها وجعلها من مكافحة ما تطلق عليه بـ “الإرهاب” أولوية أمنية لها في إطار توظيف واستثمار سياسي لمثل هذا النوع من التهديدات. وهو ما من شأنه أن يجنب فرنسا الظهور أكثر فأكثر، لتتحول مع مرور الوقت إلى جزء من المشكلة بدلا من أن تكون جزءا من الحل. هذه المجموعة من الافتراضات تقودنا إلى طرح جملة من التساؤلات بخصوص حدود التدخلات العسكرية. حيث يمكن للقوة الاستكشافية أن تفرض موقفا معينا على أرض الواقع، وتضبط شكلا من أشكال توازنات القوى على مسارح العمليات، وفي فترة زمنية قصيرة. غير أن طبيعتها الخارجية وضعفها العددي يمنعانها من التفوق أمام حرب عصابات مستدامة.
بعيدا عن هذا وذاك، تم اتخاذ خيار مختلف، ربما لكون الوضع بدا بالنسبة لفرنسا محفوفًا بالمخاطر، هذا من جهة. ولأن السلطات الفرنسية رأت في منطقة الساحل مسرحًا وأرضية يُمكّنانِها من تأكيد قوتها وفاعليتها العسكرية على المسرح العالمي من جهة أخرى. في الحقيقة، هذا السبب الثاني يستحق التمعن فيه إلى درجة يصعب معه تقييمه. حيث لم تكن دوافع فرنسا بخصوص تواجدها بمنطقة الساحل هي نفسها موجودة أيضا في باماكو، أو في نيامي، أو حتى في كيدال، ولكنها في الواقع كانت متموضعة في نيويورك وبروكسل وفي واشنطن. إن رد الفعل الفرنسي تجاه فرضية التورط الروسي في مالي (خريف عام 2021)15، وحتى قبل أن تتحول إلى أمر واقع، تم تحليله على الفور من زاوية المنافسة بين القوى. وهو ما من شأنه أن يعطي انطباعا أن فرنسا تعرضت لانتكاسة بعد أشهر قليلة فقط من قيام سلطات الانقلاب في مالي دعوة مجموعة “فاغنر”16 الروسية لهندسة الوضع الإستراتيجي في البلاد، مستغلة الظروف الأمنية المتوترة فيها. علما أن عملية برخان، ولعدة سنوات، كانت بمثابة استعراض لقدرات فرنسا العسكرية ومصدرًا لرأسمالها السياسي. وهو ما ساهم في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية، من خلال تواجدها في مجلس الأمن، من جهة؛ وأيضا في تعزيز وضعها الدولي باعتبارها حليف استراتيجي مهم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى. حيث تم إعادة استثمار هذا الرأسمال بصفة جزئية من أجل نقل الخطوط الإستراتيجية من منطقة الساحل بكفاءة. فعلى سبيل المثال: يمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان تفعيل بند الدفاع المشترك المنصوص عليه في المادة 42-7 من معاهدة الإتحاد الأوروبي – وذلك في أعقاب هجمات نوفمبر 2015 بمالي17– كان لصالح عملية برخان على وجه الخصوص، أو أنه يصب في خانة إنشاء “المجموعة الأوروبية متعددة الجنسية – تاكوبا”؟. علما أن هذه الأخيرة قد سجلت بمالي في مارس 2020 تقدمًا وصف بـ “الملموس”، بالنسبة لمقاربة الدفاع الأوروبي في المنطقة.
يبدو واضحا تمامًا أن فرنسا لم تجعل من مسألة تغيير الوضع الإستراتيجي في منطقة الساحل أمرا ممكنا. بالتالي فإن عملية تقييم نتائج عملية برخان إنما تكون في ضوء ما حققته وما أنجزته من أهدافها المعلنة، أي محاربة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، دون إغفال أهمية الموقف الفرنسي وما يتسم به مما يمكن وصفه بـ”النرجسية” في المشهد الدولي. بالتالي فإن السؤال الواقعي الذي يمكن طرحه في هذا الصدد، هو: ما إذا كانت التكلفة البشرية (ما يقارب 55 جنديًا فرنسيا قتلوا بين عمليتيْ سرفال وبرخان)، والتكلفة المالية الكبيرة (حوالي 880 مليون يورو خصصت فقط لبرخان خلال سنة 2020)18، وكذا التكلفة السياسية (مرتبطة بصعود المشاعر المعادية للفرنسيين) هي من تقف وراء انسحابها من مالي أكثر مما هو خيارا مرغوبا فيه؟.
2.2. الترويج لحل تفاوضي مع المتمردين في شمال مالي:
كان الدافع الرئيسي وراء زعزعة الإستقرار في مالي هو التمرد الذي أطلقه إنفصاليون ينتمون إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA)19 في جانفي 2012، والتي يسيطر عليها الطوارق. علما أنه تم دمج العديد من المكونات المجتمعية لشمال مالي في الحركة. الأمر الذي سرّع من وتيرة عملية الإطاحة بالجماعات المسلحة التي رأت فيها الإدارة الفرنسية أنها على ارتباط وثيق بتلك الحركة. غير أنه وبمجرد سقوط تلك الجماعات وهزيمتها على إثر عملية سرفال، وجدت “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” نفسها سيدة على منطقة كيدال الشمالية، وذلك بمباركة وموافقة القوات الفرنسية. لتلجأ فرنسا بعدها عام 2014 إلى خيار تعزيز المفاوضات بين تلك الجماعات المتمردة والحكومة المالية، في وقت كانت فيه هذه الأخيرة بصدد التفكير في اللجوء إلى خيار القوة كحل جذري للمسألة. وهو ما أدى، وبشكل خاص في ماي 2014 20، إلى وقوع هجمات مسلحة فاشلة على كيدال. الأمر الذي لاقى، وعلى نطاق واسع انتقادات شديدة من قِبل الإدارة الفرنسية. بينما اعتقد جزء من سكان مالي أن خيار السلطة المالية من شأنه أن يريح المتمردين من جهة، ويدعم خيار التقسيم الفعلي للبلاد من جهة ثانية. أما بخصوص المفاوضات، فإنه في الوقت الذي كان ينتظر منها معالجة الأسباب الجذرية لسلسلة الثورات المتتالية، والتي كانت سببا وراء عدم الاستقرار الذي مهد بدوره الطريق لتغلغل وتموقع الجماعات المسلحة، إلا أنها فشلت في تحقيق هذا المبتغى.
إنّ تعثر المفاوضات لا يعود فقط إلى تباين الرؤى بين الأطراف المشاركة في مفاوضات السلام، بل يعود أيضًا إلى تباين وتضارب في المصالح السياسية والاقتصادية بينها.21 وبعد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في العاصمة البوركينابية “واغادوغو” في جوان 2013، بين الحكومة المالية والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والمجلس الأعلى لوحدة أزواد. وبعد مرور عامين من التوتر، تم التوقيع في الأخير على اتفاق سلام بوساطة جزائرية. كان من المقرر تنفيذ ذلك في غضون عامين، لكنه لم يتحقق إلى يومنا هذا.22
في غضون ذلك، ازداد عدد أصحاب المصالح من وراء عملية السلام تلك وباطراد كبير، وهو ما دفعهم إلى تشكيل العديد من الجماعات المسلحة قصد تعزيز مواقعهم ومصالحهم التي تمثل بشكل أو بآخر بيئات مجتمعية متباينة من شمال مالي، قائمة على أساس عرقي أو دون عرقي، ومستوحاة من اتفاقيات سلام سابقة، لا سيما الميثاق الوطني لعام 1992 واتفاقية الجزائر لعام 2006 23. علما أنه لم تجعل اتفاقية عام 2015 24 من مسألة اندماج سكان شمالي مالي أمرا ممكنا، لا سيما الطوارق. في هذا السياق، أصبحت مهمة عملية برخان معقدة وبشكل مفرط، وذلك بسبب تعايش عدد من الجماعات المسلحة المشاركة في عملية السلام. والتي كان على القوات الفرنسية إدارتها أو حتى دعمها من أجل ادماجها في الجيش المالي.
3.2. الرفض المستمر للتفاوض مع الجماعات المسلحة.
حتى قبل انطلاق عملية سيرفال، وفي وقت هيمنت فيه الجماعات المسلحة على شمال مالي، بدأت هنالك مفاوضات في واغادوغو في الفترة الممتدة بين 17 و24 جويلية 2014، بين الحكومة المالية والحركة الوطنية لتحرير أزواد، هذا إلى جانب “جماعة أنصار الدين”.25 كانت هذه الأخيرة مكونة وبشكل أساسي من الطوارق الماليين المتحالفين مع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. علما أن قسما مهما من تاريخ المنطقة، هو تاريخ ثورات الطوارق التي شارك فيها زعيمها إياد أغ غالي–الذي كان صاحب توجه ديني ودعوي- في مرحلتين مهمتين: 1990-1991 و2006 26، لتُستأنف المفاوضات في الفاتح من شهر سبتمبر من نفس السنة بعد استعادة شمال مالي من خلال عملية سرفال الفرنسية، ولكن من دون مشاركة أنصار الدين، والتي أصبحت تُصنف ضمن ما يسمى بـ “الجماعات الإرهابية” المستهدفة من قبل القوات الفرنسية. صحيح أنه في تلك الأثناء شكل بعض مقاتلي أنصار الدين حركة جديدة تسمى: “المجلس الأعلى لوحدة أزواد”، شاركت في المحادثات ووقعت على اتفاقية وقف إطلاق النار في جوان2013 27، لكن هل كان من الممكن في وضع كهذا إشراك فرنسا لـِ “إياد أغ غالي” في عملية المفاوضات حتى يتسنى لها عزل المكون الدولي للحركة الإسلامية، وتاليا تقليص حجم العدو وإضعافه من دون إهدار أية رصاصة؟.
لا تزال السلطات الفرنسية مرابطة على موقفها القاضي برفضها التام فتح مفاوضات مع الجماعات المصنفة منذ عام 2013 على أنها إرهابية، والتي أيضا تم تصنيفها في المنطقة. ضمن قطبين متنافسين: الأول بقيادة “إياد آغ غالي”28 والمرتبط بتنظيم القاعدة، والآخر بقيادة الداعية “الفولاني محمد كوفا”29، الذي كان قد بايع تنظيم الدولة الإسلامية في ماي 2015 30. وهو الأمر الذي أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ماي 2021، حيث اشترط حينها عدم إجراء مثل تلك المفاوضات مقابل بقاء القوات الفرنسية. مثل هذا الشرط كان مخالفًا لإرادة الفاعلين الماليين الذين عبروا عن ذلك صراحة خلال مؤتمر التفاهم الوطني المنعقد في أفريل 2017، وكذا في نهاية الحوار الشامل في (ديسمبر 2019).31 علما أن حركة إياد أغ غالي، كانت قد أعطت إشارات صريحة في مارس 2020 على رغبتها في الانضمام للحوار.
من الصعب الجزم أو اعتبار المفاوضات أنها السبيل الوحيد الممكن لإيجاد حل دائم للصراع. لكن في ظل عزوف الحكومة المالية عن تبني مثل هكذا مسار، استبعدت السلطات الفرنسية إمكانية تقسيم أو إضعاف العدو (الجماعات المسلحة)، على الأقل من خلال إعادة إدماج بعض عناصر تلك الجماعات في العملية السياسية. إلا أنه ظهر واضحا أن الإدارة الفرنسية تبنت في الواقع خطابًا غير سلمي ضد ما تسميه بـ “الإرهاب” لا يتوافق مع الديناميكيات المحلية لمنطقة الساحل، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنه في الوقت الذي كانت فيه التنظيمات الإسلامية مستبعدة من سلسلة المفاوضات في شمال مالي، فإنها كانت أيضا، وفي الوقت نفسه تتقدم بخطوات سياسية مهمة في الجنوب، حيث كان الإمام محمود ديكو- Mahmoud Dicko32 رئيسًا لها.
4.2. توسيع منطقة العمليات إلى جغرافيا منطقة الساحل.
تميزت عملية برخان بكونها عملية إقليمية، على عكس عملية سرفال. حيث جاءت منطقة عملياتها متوافقة إلى حد ما مع جغرافيا مجموعة دول الساحل الخمس -G5 Sahel.34 استجابت من خلالها الإستراتيجية الإقليمية المتبعة في البداية للرغبة في محاربة تدفق الأسلحة والمقاتلين بين جنوب ليبيا وشمال مالي (عبر النيجر وكذلك الجزائر). علما أنه وفي وقت سابق قدمت بقية جيوش دول الساحل، لاسيما تشاد دعما مهما لعملية سرفال. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، بدأ المشهد يتغير وبشكل كبير مع بداية عام 2015. إذ وبعد بضعة أشهر من انطلاق عملية برخان، بدأت التدفقات المذكورة أعلاه في النضوب بفعل الضغط الممارس من قبل القوات الفرنسية، وانخفاض المخزون الليبي من الأسلحة جراء استئناف الحرب الأهلية في أراضيها.35 ليتحول بعدها مركز ثقل الجماعات المسلحة نحو الجنوب، وتحديدا إلى بوركينا فاسو والنيجر، أين وجدت كل من قوات الجيشين التشادي والنيجيري في حالة متقدمة جزئيا من الإنهاك، جراء حربهما المستمرة ضد بوكو حرام في منطقة بحيرة تشاد. غير أن سلسلة الاعتداءات التي استهدفت مدينة باريس وضاحية سان دوني في 13 نوفمبر 2015 أدت إلى التسريع من وتيرة تبني خطاب الحرب على ما تسميه بـ الإرهاب.36
فيما يتعلق بالتدخل العسكري الفرنسي فإنه جاء في سياق مخالف للديناميكيات السائدة في منطقة الساحل، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي منطقة تهريب بامتياز بين غرب إفريقيا وشمالها. حيث كانت الإدارة الفرنسية تنظر إلى مجموعة دول الساحل الخمس المشار إليها سابقا على أنها صنيعة فرنسية. وهو الأمر الذي لم تتقبله “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا/CEDEAO”.37 كما قد يكون الخطأ الرئيسي للإستراتيجية الفرنسية هو سوء تقديرها لتنوع وتباين السياقات المحلية لدول الساحل، جراء تبنيها لسلوك يقوم على تعزيز وتطوير استجابة عسكرية فرنسية على نهج موحد وبشكل مفرط. وهو ما أدى إلى خيبة أمل فرنسية كبيرة، خاصة بعد رفض الجيش البوركينابي الالتزام بعملية برخان على أراضي بلاده.38
- عوامل العجز العسكري الفرنسي في مالي:
من الأمور التي أصبحت مقبولة حتى من طرف صفوف وكوادر قبل الجيش الفرنسي: أن الأدوات العسكرية وحدها لا يمكن لها أن تحل أزمة متعددة الأبعاد كمثل تلك التي تمر بهامنطقة الساحل منذ أكثر من عشر سنوات. بالتالي، يمكن القول إن تقييم عملية برخان لا يمكن إجراؤها فقط فيما يتعلق بطريقة تعاملها مع أعراض الأزمة أكثر من تطرقها إلى الأسباب الجذرية لها. وأن إخفاقاتها هي في الحقيقة تعكس إخفاقات كلا من السياسة الفرنسية والدولية بشكل عام في المنطقة.بالتالي من منطلق فشل عملية برخان كمقاربة عسكرية فرنسية في تغيير مثل هكذا وضع، سنحاول التركيز على ثلاثة أبعاد للعملية ساهمت كعوامل في الشلل الإستراتيجي العملياتي الفرنسي في المنطقة، والأمر يتعلق بالأبعاد التالية: محاربة الجماعات الإرهابية المسلحة، دعم القوات المسلحة المحلية، ودعم الأنظمة الفاشلة وغير الديمقراطية. في المنطقة
1.3. إستمرار توسع الجماعات المسلحة في منطقة الساحل.
إذا كانت عملية سرفال قد عرفت قتالًا أماميًا ونتائج واضحة على الميدان، من خلال السيطرة على العديد من المدن المالية، فإنه -على العكس من ذلك- كان على عملية برخان أن تتعامل مع عدو، ونتيجة لخبرته الواسعة التي اكتسبها في حربه (حرب العصابات) التي خاضها ضد القوات المحلية والأجنبية، يحسن تفادي الاحتكاك. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أظهرت الحروب في كل من أفغانستان والعراق مدى تعقيد مثل هذا النوع من القتال بالنسبة للجيوش النظامية الحديثة. في الواقع، حتى في حالة ما إذا قامت القوات الفرنسية بتوجيه ضربات شديدة ضد الجماعات المسلحة، كما فعلت سابقا عندما قضت على بعض قادتها، مثل: يحيى أبو الهمام عام 2019، وكلا من “عبد المالك دروكدال” و”باه أغ موسى” سنة 2020، أو “عدنان أبو وليد الصحراوي” في عام 2021 39، فإنه لا شيء كان يشير في الواقع إلى أن ميزان القوى الإستراتيجي قد تغير بالفعل.40 فعلى مدى السنوات العشر الماضية، اتبعت تلك الجماعات إستراتيجية التوطين الخاصة بها، وهو ما ساهم في مرونتها، خاصة بعد وفاة قياداتها. حيث أصبح بمقدورها التكيف مع الديناميكيات السياسية والمجتمعية في جغرافيات متعددة من جنوب المنطقة، على غرار كل من: الدلتا الداخلية للنيجر، شمال وشرق بوركينا فاسو، تيلابيري في النيجر، ومؤخراً في المناطق الجنوبية منها.
في ظل تساوي جميع العوامل الأخرى، يمكننا القول أن عملية برخان كانت تفتقر ببساطة إلى الموارد الإستراتيجية. صحيح إن قيام الجيش الفرنسي بتسليح طائرات بدون طيار في ديسمبر 2019، وتعزيزه لقوته العملياتية من 4500 إلى 5100 جندي بداية عام 2020 41، والتي لم تكن كافية، أدى إلى تأثيرات ملموسة، إلا أنها جاءت متأخرة. علما أن العملية كانت تضم في البداية ما يقارب 3000 جندي في منطقة عمليات تبلغ مساحتها مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة، وفي بيئة عصية جدا على العناصر المقاتلة وعلى المعدات المرافقة لها. وهو ما يعيدنا إلى مربع السؤال الأول، والذي يتم تجاهله في بعض الأحيان من طرف قيادات القوات الفرنسية، حول الملاءمة بين رسالة ووسائل تلك العملية. ففي هذا الإطار، لا يمكن للقوات الفرنسية فعل أكثر من مجرد منع الجماعات المسلحة من استعادة السيطرة على البلدات المالية، وضرب بين الفينة والأخرى مجموعات من المقاتلين أو قياداتهم. هذا إلى جانب فشلها في سعيها للتواصل مع خصم يتفادها في أغلب الأحيان.
أدى تحول مركز ثقل التهديد الذي تمارسه الجماعات المسلحة اتجاه الجنوب إلى إعادة انتشار تدريجي لنظام عملية برخان (افتتاح قاعدة في ميناكا سنة 2018 وأخرى في غوسي عام 2019. هذا إلى جانب إغلاق قاعدة ماداما سنة 2019، ثم كيدال وتيساليتو تمبكتو عام 2021)42. وهو ما دفع بالقوات الفرنسية إلى تركيز جهودها على مناطق سكانية مكتظة ومقيدة. حيث اختارت عدم المغامرة جنوباً باتجاه منطقتي موبتيو وسيغو وسط مالي، أين عززت فيها الجماعات المسلحة وجودها بشكل تدريجي. ويعود السلوك الفرنسي المذكور أساسا إلى افتراضين مهمين: أولا، عدم قدرة القوات الفرنسية تفادي مزالق ومطبات المغامرة في ظروف جغرافية ومواقع وعرة ومعقدة كالتي تعرفها مناطق جنوب مالي. ثانيا، سهولة العمل والمناورة في مناطق لم يتم بعد طرد السلطات المالية منها. وهو ما يعني بالنسبة القوات الفرنسية إمكانية الاستفادة مسبقًا من الكثير من الموارد من أجل تأمين مقاومة فاعلة.
2.3. صعوبة تأمين صعود وفاعلية القوات المسلحة المحلية.
من منطلق إدراك السلطات الفرنسية محدودية قدرة عملية برخان على دحر الجماعات المسلحة، خصت مهمة القوات الفرنسية المتواجدة من أجل الحفاظ على تفوقها وهيمنتها على تلك الجماعات حتى يتسنى للقوات المحلية مواجهتها بمفردها. حيث كان من المقرر فرنسيا أن يكون فك الارتباط مشروطا بزيادة حجم القوات المسلحة لدول منطقة الساحل. غير أن قلة التجهيز وتفشي الفساد داخل جيوش هذه الدول حال دون القدرة على تأدية مهامها. حيث لم يتم هزيمة الجيش المالي على وجه الخصوص في عام 2012 فحسب، بل شهدت نفس السنة صراعات داخلية قاتلة في أعقاب انقلاب أمادو سانوغو. وبعد مضي عشر سنوات من العملية، لا يزال الوضع المالي في أسوأ حالاته. فبالتعاون مع مهمة التدريب الأوروبية للقوات المسلحة المالية (EUTM Mali) سعت عملية برخان، ومن خلال نشر مفارز الاتصال والدعم العملياتي إلى تطوير وتقوية دعمها تجاه شركائها في مجموعة دول الساحل الخمس، بما في ذلك مالي.
بغض النظر عن قضايا الفساد وطبيعة التنظيمات العسكرية التي تعرفها الجيوش في منطقة الساحل، فإن مسألة حقوق الإنسان هي مسألة مركزية في هذا السياق. حيث تشير تقارير حقوقية إلى ما مفاده ارتكاب جيوش الساحل انتهاكات في حق المدنيين وُصفت بـ “الجد بغيضة”. وهو ما قد يؤثر سلبا على مكافحة ظاهرة مايسمى بالإرهاب في المنطقة. وهو ما ذهبت إليه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في النيجر، حيث سجلت وقوع مذبحة في مارس 2020 بمنطقة تيلابيري، راح ضحيتها 71 شخصًا على الأقل43. غالبا ما يتم تمرير مثل هذا النوع من الجرائم تحت صمت مريب. وهو ما قد يعرض بدوره -بل قد عرض فعلا- القوات الفرنسية لخطر التورط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في مثل هذه الانتهاكات. وما زاد الأمور سوءًا هو عدم مرافقة القوات الفرنسية لكل من القوات المسلحة المالية والنيجيرية، بل لم ترافق حتى جماعات مسلحة عرقية على غرار كل من “حركة إنقاذ أزواد” و”مجموعة إمغد” و”مجموعة الطوارق للدفاع عن النفس” التي انضمت إلى مجموعة حلفاء القوات الفرنسية في 2017-2018 للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لهذا، لم تكن عملية برخان مرتبطة فقط بالجهات الفاعلة التي يُحتمل أن تكون متورطة في تلك الجرائم، بل وقعت في فخ التدخل في صراعات واشتباكات عرفتها مجتمعات المنطقة. فخلال عملية نُفِّذت مع القوات المسلحة المالية، اتُهمت برخان في جانفي 2021 بقصف المدنيين بالخطأ في منطقة بونتى. نفت على إثرها السلطات الفرنسية، ودون تقديم أية أدلة في ذلك، صلتها بتلك العملية والاتهامات التي نقلتها ضدها بعثة الأمم المتحدة الموكلة لها مهام تحقيق الاستقرار في مالي.44 الأمر الذي ورط القوات الفرنسية بشكل أكبر وجعلها غير مرغوب فيها بل ومحل استهجان من طرف شرائح مجتمعية واسعة في المنطقة.
3.3. دعم الأنظمة الفاشلة وغير الديمقراطية:
تعد مشكلة ضعف جيوش منطقة الساحل واحدة من مؤشرات فساد الحكم في المنطقة45. فالقضايا المحلية المعقدة، على غرار الفساد والمحسوبية وضعف الخدمات العمومية ونحوها، لم تكن عملية برخان معنية بحلها. غير أن وجودها ذاته بالمنطقة، ساعد في تعزيز ودعم شوكة تلك الحكومات والمؤسسات المساهمة في هذا الفساد. هذا إلى جانب سلسلة العمليات التي وصفت بـ “البشعة” التي نفذتها القوات الفرنسية في فيفري 2019 ضد رتل من المتمردين التشاديين ينتمون إلى ما يعرف بـ”اتحاد قوات المقاومة”، كان متجهًا نحو نجامينا قادما من ليبيا.46 في حين أن أسباب هذه العملية كانت جد واضحة: الرغبة الفرنسية في تجنب مشكلة جديدة من شأنها المساهمة في زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل. غير أن الحقيقة التي ستظل قائمة وراء ذلك السبب، هو أن القوات الفرنسية تدخلت من أجل دعم نظام يوصف بالاستبدادي ويُتهم بتصفية أي حركة مناهضة له، بما فيه تفادي إقامة أية ولاية للجماعات المسلحة من شأنها إعاقة الاتجاه الاستبدادي لتلك السلطة. وهو ما قد يؤدي حتما إلى تغذية الشعور بتواطؤ فرنسا مع أنظمة فقدت مصداقيتها في المنطقة، والتي أصلا ساهمت طريقة إدارتها، وبدرجة كبيرة في زعزعة الاستقرار.
كما أن الظروف المحيطة بتنفيذ عملية برخان جاءت في سياق اتسم بالتدخلات المتكررة للجيوش في العمليات السياسية، وذلك على غرار انقلابيْ أوت 2020 وماي 2021 في مالي، وانقلاب جانفي2022 في بوركينافاسو. هذا إلى جانب محاولاتيْ الانقلاب في ديسمبر 2015 ومارس 2021 في النيجر، وأخرى في سبتمبر 2016 ببوركينا فاسو..الخ. مثل هذا الوضع جعل من الجنود الفرنسيين في مدرك السلطات الانقلابية مجرد أجانب غير مرغوب فيهم. غير أن تعليق التعاون العملياتي بين القوات المسلحة الفرنسية والمالية – والذي جاء عقب الانقلاب الثاني الذي قام به “أسيمي غويتا/ Assimi Goïta” في ماي 2021 -. سيما وأن عملية الإطاحة بالرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا – الذي انتُخب وأعيد انتخابه في ظل احتقان داخلي – كانت موضع ترحيب من قبل السلطات الفرنسية، التي لم تتأخر أيضا في تأييد عملية استيلاء محمد ديبي على السلطة في تشاد (بعد وفاة والده في أفريل 2021)، على الرغم من عدم دستورية هذه العملية. حيث لم يترتب عن الموقف الفرنسي المذكور أية نتائج عكسية بخصوص الشراكة العسكرية بين البلدين.47
لم تكن عملية برخان تهدف إلى تثبيت الديمقراطية في منطقة الساحل ولا إلى إصلاح أنماط الحكم في بلدان المنطقة، والتي يُفترض بشكل مسبق أنواعًا أخرى من التدخلات التي من شأنها المساهمة بشكل أو بآخر في عملية دعم الفواعل الوطنية في المنطقة. غير أنه بات من الواضح جدا أنها (أي برخان) ساعدت، كأداة عسكرية، في ترسيخ الأنظمة التي يمكن وصفها بـالفاشلة وغير الديمقراطية. فعملية الخروج من ضبابية الحرب في المنطقة، لا بد أن تكون مرفقة فرنسيا بمراجعة عسكرية وسياسية وحتى مجتمعية لعملية برخان برُمتها، دون إنكار صعوبة المناورة عسكريا في بيئة معقدة ورخوة كمنطقة الساحل بشكل عام. وفي انتظار ما ستسفر عنه تلك المراجعات من تصويبات على مستوى مسارح العمليات، فإنه يُتوقع أن تكون النيجر قريبا قِبلة للجزء الأكبر من القوات الفرنسية والأوروبية المتواجدة حاليا في منطقة الساحل.
- إنعكاسات الانسحاب الفرنسي من مالي على دول الجوار:
من المفترض أن يؤدي الانسحاب الفرنسي من مالي إلى تغيير وضع تلك الدولة السياسي والعسكري معا، لتمتد تداعياته وتأثيراته بعد ذلك إلى الدول المجاورة بما في ذلك الجزائر التي ستتأثر حتما بصورة أو بأخرى بعواقب مثل هذا الوضع. في حين أن النيجر ستكون أول المتضررين من هذه العملية، في وقت ستبقى فيه بقية دول المنطقة في وضع المتفرج. في حين ستحاول دول أخرى، على غرار كل من بوركينافاسو والجزائر الاستثمار في مثل هذه الحركة والدينامية الإستراتيجية بما يخدم مصالحها.
1.4. التعاون الفرنسي – البوركينابي:
يتوقع أن تكون بوركينافاسو واحدة من الدول التي ستنسحب منها القوات الفرنسية قريبا، بغض النظر عن كون أراضيها تستضيف القوات الخاصة الفرنسية. وحسب العقيد باسكال إني – المتحدث باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية- فإنه بعد الانسحاب من مالي، سيكون لدى فرنسا من 2500 إلى 3000 جندي في منطقة الساحل ككل، موزعين بين تشاد والنيجر وبوركينا فاسو، وهم في مجموعهم يمثلون عدد قواتها المتمركزة سابقا في كل من السنغال، ساحل العاج والغابون.48 هو ما قد يؤدي بدوره إلى تدهور العلاقات بين بوركينافاسو وجارتها المالية. وانطلاقا من متانة التعاون القائم بين النظاميْن البوركينابي والفرنسي، فإن هنالك فرصا قوية لإعادة انتشار قوات هذه الأخيرة بصفة جزئية في الأراضي البوركينابية. وهو ما قد يثير أكثر من تساؤل حول استمرار العمليات العسكرية الفرنسية مستقبلا. فمثلا: هل من شأن الماليين أن يقبلوا بأن تطارد القوات البوركينابية – مدعومة بقوات برخان الفرنسية التي كانت موضوع طرد من قبل الماليين- الجماعات المسلحة إلى ما وراء حدود أراضي بلادهم؟.
علما أن نجاح هذا التعاون هو مرتبط بشكل ومضمون خطاب السلطات الفرنسية الذي يجب أن يكون هذه المرة منفتحا ومتوازنا. فليس أمام فرنسا من خيار في ذلك سوى تغيير نهجها على اعتبار أنها في الأخير هي مجبرة على تفادي لفت الأنظار، حتى يتسنى لها التكيف مع الإستراتيجية التي وضعتها الدول الأفريقية. وفي حالة ما إذا تمكنت السلطات الفرنسية من شرح وتفسير دور برخان وبشكل واضح في المنطقة، فاحتمال كبير أن يميل سكان المنطقة إلى قبول العملية، خاصة إذا كانت مخرجاتها ونتائجها مقنعة.
2.4. التقارب الجزائري -المالي:
على عكس بوركينافاسو، فمن شأن الانسحاب الفرنسي من مالي أن يؤدي إلى توطيد العلاقات بين باماكو والجزائر. وفي هذه الحالة من المحتمل أن تتوفر أمام الجزائر فرصة قوية لأداء دور لها، يمكن وصفه بـ “الفعال” في حل النزاع بالمنطقة. بما في ذلك تبني خيارالحوار مع “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”49، والذي ترفضه فرنسا. حيث كان من المفترض أن يمهد اتفاق الجزائر الذي تم توقيعه عام 2015 الطريق لإنهاء الحرب في مالي، إلا أن ذلك لم يتم. وهو ما دفع بالجزائر إلى تبني المسار السياسي- السلمي- التفاوضي القائم على عناصر كالوساطة، المصالحة، وبرامج التنمية الاقتصادية.. الخ”، باعتباره خيارا استراتيجيا من أجل فصل الجماعات المسلحة عن قضية الطوارق، وذلك من خلال إشراك هذه الجماعات (والفعاليات المسلحة المحلية الأخرى) في العمليات القتالية ضد من تصفهم بـ “الإرهابيين.”
ففي ظل الأزمة الدبلوماسية القائمة بين باريس وباماكو، ستجد مالي نفسها مجبرة على العودة وبشكل كلي إلى الجزائر. ولعلّ هذه هي المرة الأولى التي قد تضع فيها الحكومة المالية نفسها وبشكل صريح تحت تصرف اتفاقية الجزائر. سيما وأن الجزائر رفضت في وقت سابق مقاربة “الكل الأمني” الفرنسية، بل وعارضت من جهة أخرى، ومنذ البداية فكرة التدخل الفرنسي. موقف كان من الحتمي أن يؤثر على العلاقات الفرنسية الجزائرية، خاصة وأن لدى الجزائر نهج سياسي يختلف تماما عن مثيله الفرنسي في المنطقة ككل عموما، وبمالي تحديدا بشكل خاص، أين منيت فيها فرنسا بفشل استراتجي واضح. علما هذا لا يعني أبدا تباين أهدافهما بالمنطقة. خاصة إذا علمنا أن كلا منهما يجري تركيزه الإستراتيجي على تفكيك التنظيمات المسلحة الأكثر دينامية في المنطقة. فإعادة ترخيص تحليق الطائرات العسكرية، الذي منحته الجزائر لفرنسا بتاريخ 17 فيفري 2022 50، يعد “مؤشرا مهما” على تقاربهما في هذا الشأن. وهو سلوك قد يُرى أنه رسالة من الجزائر للسلطات الفرنسية مفادها أنها على استعداد تام لدعم إعادة الانتشار العسكري لبرخان في المنطقة، وهذا لاعتبارات التفاعل السياسي والإستراتيجي العميق بين باريس والجزائر.
- الإستثمار في الفراغ الأمني:
يمكن أن يؤدي الانسحاب الفرنسي أمنيا، وفي ظل مساحة المناورة الكبيرة التي ستتركها من خلفها برخان، إلى تفاقم التهديدات والمخاطر الأمنية على كافة الدول المجاورة، لتكون في اتجاه خدمة الجماعات المسلحة. وهو ما ينبئُ بمزيد من العنف في المنطقة، نظرا لِـنفاذية الحدود وقابليتها للاختراق. علما أن اللعب على الحدود يعد جزء هام من استراتيجية تلك الجماعات. من جهة أخرى، ستؤدي عملية إعادة الانتشار الفرنسي إلى انكشاف المنطقة الحدودية المتاخمة للجزائر، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى حدوث فراغ أمني كبير جدا فيها. وعلى الرغم من تغيير الدستور الجزائري في 2020، وعلى الرغم أيضا من الانعكاسات الخطيرة التي يمكن أن يثيرها التحرك الاستراتيجي الفرنسي الجديد بهذه المنطقة، إلا أنه يبقى من المستبعد تماما في الوقت الحالي، أن يخطط الجيش الجزائري للتدخل فيها.
1.5. تقوية التعاون بين دول المنطقة:
قد يتعين على الدول المجاورة تعزيز التعاون فيما بينها من أجل حماية نفسها من الزيادة المحتملة لعمليات الجماعات المتطرفة. فعلى الرغم من تواجد هكذا تفاعل بين دول منطقة الساحل، إلا أنه يسير بوتيرة بطيئة جدا. ومن المحتمل جدا أن يتفاقم الوضع في المنطقة في حالة ما إذا غاب التعاون والتنسيق بين مالي وبوركينافاسو. الأمر الذي من شأنه أن يخدم المصالح العملية للجماعات المسلحة. خاصة في ظل غياب تعاون جدي وفعال بين دول الساحل. من الممكن أن تتشكل منطقة خطرة في المثلث الحدودي المتكون من (مالي، بوركينافاسو والنيجر). وهذا من منطلق كونها بلدان هشة. فبلد كالنيجر، مثلا، تواجهه صعوبات كبيرة في محاولة تعامله مع الوضع. أما بوركينافاسو فيمكن القول أنها استسلمت للأمر. بالتالي، ماذا يمكن لدولة مثل موريتانيا أن تفعل في حالة ما إذا سقط شمال ووسط مالي؟ ما الفارق الذي من الممكن أن تحدثه برخان بمجرد إعادة انتشارها؟ ليس مستبعدا أن تحزم حقائبها مرة أخرى معلنة رحيلها وإلى الأبد من المنطقة. ففي حالة ما إذا وقع شمال ووسط مالي في أيدي “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” مثلا، فسيتعين على الجزائر أن تعيد النظر في استراتيجيتها القائمة على الحوار، معلنة نهايتها في كل الأحوال. بمعنى، لا الجزائر ولا دولا أخرى سترسل قواتها إلى الأراضي المالية في المستقبل القريب. غير أنه سيتعين عليها زيادة تحركاتها على حدودها من أجل محاولة احتواء ما يوصف بـ “الزحف الإرهابي” في وسط وشمال مالي، مع محاولة حماية المناطق التي لم تتأثر بعد من تلك المخاطر.
2.5. قدرة الجيوش الأفريقية على الصمود أمام الجماعات المسلحة:
نظرا لاعتبارات تتعلق بعدم قدرة الجيش المالي على مقاومة الجماعات المسلحة في شمال مالي عام 2012، قرر الجيش الفرنسي -من خلال عملية سرفال- في 3 جانفي 2013 الدخول في سلسلة اشتباكات ضد الجماعات المسلحة. وتم، بناء على طلب السلطات المالية، وقف “القاعدة الإرهابية” التي كانت تجتاح العاصمة باماكو. علما أنه منذ عام 2013، تعرضت الجيوش الأفريقية لسلسلة من الهزائم والخسائر أمام هذه الجماعات. فمثلا: خضع الجيش المالي بأكمله تقريبا، منذ 2013، لتدريب عسكري تحت إشراف الإتحاد الأوروبي، تم من خلاله إنفاق عشرات الملايين من اليورو، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال51. بالنسبة لفرنسا، ليس هناك أي مجال للشك من أنه بدون برخان، ستُطاح كلا من الجيوش الأفريقية والأنظمة القائمة بسرعة غير متوقعة. وهي حقيقة نسبية تؤكدها بعض الوقائع. ففي تشاد مثلا، قامت القوات الجوية الفرنسية، في فيفري 2019، بإنقاذ الرئيس التشادي إدريس ديبي للمرة الثانية من محاولة اغتيال من قِبل مجموعة من المتمردين المعارضين له 52. في حين تشهد فيه كل من منطقة الساحل وغرب أفريقيا امتدادًا للحركات المسلحة، وهو أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند بناء استراتيجيات التصدي والمواجهة. إن بلدان المنطقة تفتقد لقوة رئيسية إقليمية تأخذ بيدها وتثق فيها من أجل مواجهة هذا النوع من التهديدات، خاصة في ظل تواجد الجيش الفرنسي على أراضيها يحول دون أخذها بزمام أمورها الأمنية. وهو الحال الذي كان عليه الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا الذي أطيح به في (صائفة 2021). حيث كان الفرنسيون إبان فترة حكمه للبلاد منشغلين بمطاردة ما تصفهم بـ “الإرهابيين”. في حين بقي الجيش المالي على ما كان عليه، أي مجرد “مشروع فاسد”، يتم من خلاله تزويد مجموعة صغيرة من الجنرالات والمقربين من النظام بجميع ثروات وموارد الدولة.53
أكثر ما تخشاه فرنسا حاليا هو “تأثير عامل الدومينو” على منطقة الساحل ودول خليج غينيا على حد سواء. حيث من المتوقع بالنسبة إليها أن تتحول منطقة الساحل إلى شكل من أشكال الحواضن الجغرافية لظاهرة الاستبداد الديني. كما ترى أيضا أن انسحاب برخان من المنطقة ومن مالي خاصة، معناه قيام نظام سيكون تحت أيدي متطرفين (سلفيين). الأمر الذي من شأنه المساهمة في زعزعة استقرار النيجر وبوركينافاسو. ليمتد الأمر، كذلك، إلى شرق السنغال وشمال ساحل العاج. هذا بالإضافة إلى أن جزء كبير من غرب إفريقيا سيهتز بسبب تلك الاضطرابات التي من شأنها التهديد بتدمير برامج التنمية بأكملها في المنطقة. علما أن تلك الجماعات هي أيضًا في حالة حرب مع أولئك المرتبطين بكل من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية (داعش).
3.5. الصدام بين بدائل هندسة الأمن في المنطقة:
عادة ما يتم استغلال انسحاب لاعب رئيسي من مساحات مهمة من مسرح اللعبة لصالح صعود فواعل جديدة (رسمية كانت أو غير رسمية)، تحاول فرض معادلة جديدة على الأرض من خلال الاستثمار في الفراغات الأمنية التي يتركها الفاعل الأساسي من خلفه. غير أنه من الصعب التسليم وببساطة تخلي فرنسا عن واحدة من “حدائقها الخلفية” في المنطقة. علما أنه عادة ما تتبنى القوى الدولية ما يعرف بـ “السياسات الخفية”54 في حالة استعصاء تأمين مصالحها من خلال القوة العسكرية أو الأدوات الدبلوماسية. وهي وضعية من الوضعيات تتخذها القوى المتمسكة بما تعتبره امتدادا جغرافيا لسيادتها القومية حفاظا على هيمنتها على تلك الأراضي، على حساب محاولة أطراف دولية أخرى توسيع دوائر نفوذها الخاص بها.
1.3.5. مجموعات فاغنر الروسية:
واحدة من الفواعل غير الرسمية التي أضحت تربك الخطوات العسكرية الفرنسية في المنطقة ما يعرف بـ “مجموعات فاغنر”، أو بحسب وصف البعض بـ”جنود المخابرات العسكرية الروسية”. على أن لا يتم الخلط في الحالة المالية بين مسألة نشر مرتزقة فاغنر وبقية التحديات الأمنية التي تعرفها مالي. فعملية النشر تلك، هي في الواقع جزء من استراتجية روسيا التي تعمل عليها منذ عدة سنوات من أجل توسيع دائرة نفوذها. فعملية تموضع هذه المجموعة تأتي بناء على صفقة قام بها “المجلس العسكري الانتقالي” المالي بقيادة زعيم الانقلاب فيها العقيد “أسيمي غوتا” مع القيادات الروسية لجلب ما يقارب 1000 مرتزق روسي.55
منذ عام 2019، لعبت الدعاية الإعلامية دورًا رئيسيًا في المظاهرات التي أطاحت في أوت 2020 بالرئيس المالي المنتخب ديمقراطياً إبراهيم بوبكر كيتا. كانت الرسائل الرئيسية لتلك الحملات إعلان العداء للفرنسيين والتأييد للروس.
ففي ظل تواجد العقيد أسيمي غوتا على رأس القيادة المالية الجديدة، من المرجح أن يتم اختيار مالي كبيدق (حجرة من مجموع أحجار رقعة الشطرنج في منطقة الساحل) لصالح حملة التأثير غير المتكافئة التي أضحت تمارسها روسيا بشكل ظاهر في إفريقيا. وانطلاقا من النموذج الروسي المستخدم في سوريا، تسارع موسكو من أجل دعم قادة معزولين من دول رئيسية في هذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية من جهة، والمليئة بالمشاكل والأزمات من جهة أخرى، بشكل يجد فيه هؤلاء القادة أنفسهم مدينين لروسيا، لتتولى بعد ذلك دور وسيط القوة الإقليمية. فإذا كان رئيس دولة ما مستبدًا وغير خاضع للرقابة الديمقراطية، فمن شأن وضع كهذا تسهيل مهمة اختياره لبقية عناصر السلطة التي يتحكم بها. وهو ما ينطبق تماما على شخصية العقيد غويتا. حيث قاد هذا الأخير مع بقية الانقلابيين، المشهد المالي ما بعد كيتا، متجاهلين مطالب “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” الخاصة بكيفية تسيير المرحلة الانتقالية، إلى جانب رفضه الرجوع إلى الوثيقة الأولى في الدولة (الدستور). وهي كلها عوامل ساهمت وشجعت زعيم المجلس العسكري -غير الخاضع للمساءلة- في مسعاه من أجل جلب مرتزقة إلى البلاد، في محاكاة منه لتجربة جمهورية إفريقيا الوسطى. بعد الإنتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر 2020، استضاف الرئيس “فاوستن أرشانج توا ديرا/ Faustin-Archange Touadéra” ما يقارب 600 “مدرب” من مجموعة فاغنر56، والتي جاءت ظاهريًا من أجل مساعدة الرئيس في صراعه مع تحالف الجماعات المتمردة، إلا أنها في الواقع “تواطأت” مع بعض المتمردين لتأمين مناجم الألماس في شمال البلاد. وبناء على ذلك الاتفاق، عين الرئيس “تواديرا” شخصية روسية كمستشار له للأمن القومي، في حين قام بتعيين عناصر فاغنر ضمن مجموعة الحرس الرئاسي له. وبعدها تمت إقالة العديد من المسؤولين في السلطة، من الذين أعربوا عن قلقهم بشأن “النفوذ الروسي غير المبرر” في البلاد. ومن أجل المحافظة على قبضتها ومصالحها في البلاد، سعت روسيا لضمان إعادة انتخاب حليفها تواديرا، حيث قامت بدعمه ومن دون أي تحفظ خلال الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في ديسمبر 2020. علما أن الأمم المتحدة قامت، في وقت سابق، باتهام ما يقارب 2300 عنصر تم نشرهم من طرف مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد (القتل غير المشروع، تنظيم هجمات على المدنيين، التعذيب والاغتصاب..الخ).57 وهو نفس السيناريو الذي من المحتمل جدا أن تعرفه مالي أيضا، في حالة ما إذا تم نشر فاغنر على أراضيها. وما يعنيه من منح موطئ قدم لروسيا في جزء هام من قارة، لم يكن لها فيه حضور تاريخي كبير يذكر.
تمارس قوات فاغنر نشاطها باعتبارها مشروع عسكري خاص. كما أنها تعد أداة قسرية سرية تستخدمها موسكو من أجل توسيع نفوذها في العالم (بما في ذلك إفريقيا). فإذا كانت الأوضاع الأمنية المتردية، تعد المبرر الأساسي الظاهر والمعلن في تواجدها وانتشارها عبر مناطق الأزمات، إلا أن ذلك يخفي في حقيقة الأمر المهام الرئيسة التي تعمل لأجلها وهي دعم أمن النظام على حساب أمن المواطن. ومن منطلق كون العقيد غويتا يعد أحد رجال موسكو في مالي، فهذا يعني تلقائيا وبداهة أنه اكتسب إلى جانبه قوة أمنية أجنبية جد فاعلة، وسندا يعزز من خلالها قبضته على السلطة. فمنذ دخوله إلى المشهد المالي، وعلى الرغم من سوء إدارة الحكم العسكري الطويل لهذا البلد، إلا أن غويتا لا يزال يروج لفوائد مزعومة لهذا النوع من الحكم فيه، على غرار: استفادته من دعم خارجي كبير، وإلى إمكانية حصوله على مقعد دائم في مجلس الأمن. فمعلوم أنه بمجرد إبرام هذا النوع من الاتفاقات، فلن يكون لدى غويتا ولا روسيا أية مصلحة في المضي قدمًا نحو الانتقال إلى حكم مدني وديمقراطي على النحو المتفق عليه. وبالتالي، سيكون الاتفاق مع فاغنر مفترق طرق محوري بالنسبة لمالي ولفرصة إمكانية عودتها إلى الاستقرار والديمقراطية.
2.3.5. الجيش الرواندي: النسخة الفرنسية لفاغنر في مالي.
بتاريخ جويلية 2021، تم نشر عناصر الجيش الرواندي في موزمبيق من أجل محاربة تحركات لمتمردين مسلحين زُعم أنهم على ارتباط بالدولة الإسلامية (داعش) في مقاطعة كابو ديلغادو.58 كما حرص الطرف الأوروبي حينها على دعم هذا التدخل. وإذا كان لمثل هذا القرار ما يبرره، فإن اختيار رواندا كشريك أمني، باعتباره نوعا من المخاطرة الأوروبية، يطرح حوله أكثر من تساؤل. سيما مع استمرار فرنسا من جهتها في دعم وتمويل الجيش الرواندي وبشكل كبير، وقيام رواندا ذاتها في 26 جانفي 2022 بتقديم طلب الاستفادة من دعم ماليّ لمرفق السلام الدولي، والذي لم يتردد في الاستجابة له وبشكل إيجابي.59
بخصوص الموزمبيق، بدأ المشروع التمويلي الفرنسيمع شركائه الأوروبيين، بقرار من الرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك على إثر اكتشاف حقل غاز ضخم في أكتوبر 2011، يقع قبالة الساحل الشمالي لموزمبيق، ويبعد عن الشاطئ قرابة 40 كيلومترًا. كما تقدر احتياطاته بنحو 5000 مليار متر مكعب. هو رقم يجعل من موزمبيق رابع أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، والأولى إفريقيا. وبناء على ذلك، تعهدت شركة توتال إنرجي- الشركة الفرنسية الرائدة في مجال النفط – استثمار 20 مليار دولار في هذا المشروع، جعل منه أكبر استثمار فرنسي خاص على الإطلاق في القارة الأفريقية. كما قامت من جهتها كلا من شركتيْ Exxon-Mobil الأمريكية وENI الإيطالية باستثمار مبالغ مالية كبيرة هي الأخرى في هذا المشروع.60
بعد الهجوم المسلح التي نفذته جماعات مسلحة مجهولة الهوية في النيجر ضد الأسر والأطفال في 24 مارس 2021، قررت شركة “Total–Energies” الفرنسية تعليق العمل في البلاد، بذريعة “التدهور الخطير للوضع الأمني”61. وأمام عدم قدرة الجيش الموزمبيقي السيطرة على غالبية كبيرة من منطقة كابو ديلغادو بعد سقوطها في أيدي الجماعات المسلحة، قام الرئيس الموزمبيقي فيليب نيوسي-Philipe Nyousi، بطلب المساعدة من نظيره الرواندي، حيث ذهب إلى كيغالي في 30 أفريل 2021 قصد ترسيم طلبته. وقبل تأكيد الرئيس الرواندي بول كاغامي-Paul Kagami قبوله مساعدة نظيره الموزمبيقي، إشترط مقابل ذلك ضمان دعم أوروبي كامل له. وعلى إثر ذلك، سافر كاغامي إلى باريس في ماي 2021 في إطار قمة تمويل الاقتصادات الأفريقية. وعلى هامش القمة، تحدث الرئيس الرواندي مع إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا قصد التأكد من دعمهما لتلك الخطوة. وبعد أن استتب له الأمر، جاء الدعم الأمني الرواندي في أوائل جويلية 2021، على إثر إنزال الوحدة الأولى المكونة من 1000 جندي وشرطي رواندي إلى موزمبيق. ومنذ ذلك الحين، والقوات الرواندية تقاتل -إلى جانب قوة من دول “المجموعة الإنمائية للجنوب الأفريقي/SADC”- جنبًا إلى جنب مع الجيش الموزمبيقي.62
غير أن فرنسا، التي تأثرت وبشكل مباشر بذلك التمرد، لم تقم بإرسال قواتها مباشرة لمحاربة الهجوم المسلح الذي تعرضت له كابو ديلغادو. وذلك لسبب وجيه، وهو كون القوات الفرنسية كانت غارقة في حربها ضد ما تصفه بـ”الإرهاب” في منطقة الساحل، بعد أن تحولت إلى مستنقع من التهديدات المتراكمة. ذلك في ظل خيبة أمل سكان الساحل الجد واسعة من النتائج غير المقنعة التي أسفرت عنها -ولما يقارب عشر سنوات كاملة- حرب فرنسا على الجماعات المسلحة في المنطقة. هذا بالإضافة إلى كون العمليات الفرنسية الأخيرة انتهت إلى نفس السيناريو الذي آلت إليه في كل من ساحل العاج، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، أين تعرضت فيها سمعة ومكانة فرنسا إلى صدمة كبرى، إلى درجة دفعت بسكانها إلى إطلاق شتى أنواع الأوصاف والمسميات عليها، مثل: “الاستعمار الجديد ذي الوجهين” (إشارة إلى شعاراتها في الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، في حين تقوم بدعم المستبدين في السلطة مع سعيها من أجل حماية مصالحها بكل الوسائل).
إن قضية إرسال السلطات الفرنسية لقواتها إلى المسارح الأفريقية أصبحت، ونظرا للواقع وللوقائع المشار إليها آنفا، من الأمور المستبعدة. هذا التحفظ الفرنسي من الاندفاع عسكريا نحو مصالحها في القارة، تم ترجمته من خلال رغبتها في المصالحة مع رواندا. علما أن هذه الأخيرة جعلت من جيشها ولمدة 20 عامًا أداة لخدمة اقتصاد ودبلوماسية البلد. يكفي أن نشير هنا إلى أن القوات المسلحة الرواندية تعتبر رابع مساهم في قوات حفظ السلام الأممية.63هي في نفس الوقت تعد الأولى أفريقيا من ناحية التطوع وتلبية النداءات الأمنية للأمم المتحدة. وهو الأمر الذي مكن رواندا من بناء نفوذ كبير داخل هذه المؤسسة الدولية، كما لاقته واشنطن باستحسان شديد. حيث جعلت من الرئيس “بول كاغامي”، ولفترة طويلة الراعي الرسمي لمصالحها في ذلك البلد. علما أن الأمم المتحدة تعهدت – في وقت سابق – بدفع ما يقارب 171 مليون دولار لصالح رواندا كتعويض عن تكاليف مشاركتها في عمليات حفظ السلام في نقاط جغرافية عديدة.64
مكّنت هذه الثروة المالية غير المتوقعة وتلك الخبرة المتراكمة للرئيس بول كاغامي من تجهيز جيش يعتبر اليوم أحد أكثر الجيوش احترافية وتدريبًا وتجهيزًا في القارة الأفريقية. كما ساهمت من جهة أخرى السمعة التي يتمتع بها الجيش الرواندي في قيام كيغالي تدريجياً بتطوير نموذجها، والانتقال من المساهمة الأمنية متعددة الأطراف إلى التعاون الأمني الثنائي65. حيث كانت أول تجربة لها بخصوص المشاركة الثنائية في جمهورية إفريقيا الوسطى. فقد نشرت خلالها، منذ ديسمبر 2020، قواتها الخاصة من أجل حماية وإنقاذ رئيس إفريقيا الوسطى “فوستين أرشانغ تواديرا”.66 على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة بانغي، بعيدا عن الوجه المحايد الذي يغلف المساعدة الأمنية الرواندية، تتقاضى القيادة الرواندية، مقابلا مهما للغاية، وهذا بفضل الاتفاقات التجارية السخية التي تتيح لها، بوضع يدها على جزء مهم من مكاسب التعدين الهائلة في تلك البلاد.67
هو ما دفع باريس إلى اختيار كاغامي من أجل ضمان مصالحها في جمهورية أفريقيا الوسطى. علما أن المشاركة المتزايدة لرواندا في تلك الجمهورية حظيت بدعم فرنسي كبير. وذلك من منطلق كونها أحد المستعمرات السابقة التي طالما حرصت فرنسا المحافظة على نفوذها فيها. وعلى الرغم من ذلك، قرر الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، عام 2016، إنهاء “عملية سانغاريس”68 بجمهورية أفريقيا الوسطى، والتي اهتمت القوات الفرنسية بتنفيذها منذ عام 2013. ورغم كل الصعاب، سحبت فرنسا قواتها من ذلك البلد بمجرد تنصيب رئيسها الجديد “فاوستين أرشانغ تواديرا”. وعلى الرغم من الوضع الأمني المقلق الذي لا تزال تعرفه تلك البلاد، إلا أن هذا الوضع كان يصب بطريقة أو أخرى في المصالح الروسية وخاصة مجموعة فاغنر. حيث تحول الرئيس الجديد لجمهورية أفريقيا الوسطى-الذي كان يبحث عن دعم دولي- إلى الروس، الذين استجابوا وبسرعة، ليصبحوا على إثر ذلك سادة بانغي الجدد. مستغلين في ذلك وضعهم القوي في البلد لتضع موسكو يدها على جزء كبير من احتياطات تلك الجمهورية من المعادن.69
بعد أن شعرت فرنسا باقتراب نهاية نفوذها وتواجدها في فنائها الخلفي بوسط إفريقيا، قررت الرد من خلال المراهنة على رواندا. في الواقع، لا تزال رواندا تشارك -وبنسبة تُعد هي الأكبر- في إطار البعثة الأممية لحفظ السلام (مينوسكا)، والتي أطلقتها الأمم المتحدة منذ عام 2014 في جمهورية إفريقيا الوسطى، نظرا لغياب جيش ذي مصداقية في هذا البلد. لتصبح رواندا على إثر ها ثاني أكثر الدول نفوذاً في منطقة وسط إفريقيا بعد روسيا.70
منذ الانسحاب الفرنسي من جمهورية إفريقيا الوسطى، بادرت باريس بتقديم مشاريع قرارات إلى مجلس الأمن بهدف دعم بعثة الأمم المتحدة متكاملة ومتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهذا في ندية منها لروسيا. لتستقبل باريس وبشكل إيجابي قرار رواندا عام 2020 بزيادة قواتها في جمهورية إفريقيا الوسطى وذلك من خلال اتفاقية ثنائية، متجاوزة – بحكم الواقع – حق الأمم المتحدة في المراقبة. حيث تم تبرير استراتيجية الدعم الفرنسي للمزيد من المشاركة الرواندية في تلك الجمهورية من باب ضمان حماية ما تبقى من مصالحها. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، حتى يتسنى لكيغالي العمل كقوة موازنة، وعدم السماح للروس باحتكار الكثير من الثروة والنفوذ.71 منذ ذلك الحين، أصبحت رواندا وكيلا فرنسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى.72
يظهر أنه بات من الضروري الآن بالنسبة لفرنسا أن تتصالح مع المنافسة الروسية التي ترغب في زيادة نفوذها في القارة الأفريقية. منافسة يمكن وصفها تقريبًا بالغير عادلة، لكون الروس “يختبؤون” في معظم الأوقات وراء مجموعة المرتزقة شبه العسكرية فاغنر للتحرك بشكل غير رسمي في المنطقة.73وضع يسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمرونة وعدم التمكين لكونه ليس مضطرًا إلى أن يكون عرضة للمحاسبة عند الإخفاق أو حدوث انتهاكات. في المقابل، وفي حالة ما إذا سارت الأمور على ما يرام، سيجني الكثير من الأرباح والمزايا. وهي الإستراتيجية التي استوحاها إيمانويل ماكرون من نظيره الروسي، من خلال تجنيده لخدمات كلا من الرئيس كاغامي والجيش الرواندي. يأتي هذا الخيار بالنسبة لفرنسا من منطلق إيمان رئيسها بإمكانية الاستفادة من خدمات القوات المخضرمة، التي يمكن نشرها وبكثرة في القارة الأفريقية. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تفاديا للانتقادات المتكررة التي تطال صورة فرنسا في المنطقة. علاوة على ذلك، في حالة ما إذا فشلت العملية، فسيكون الرئيس الفرنسي في منأى عن المساءلة أمام الرأي العام الفرنسي الأقل ميلًا لقبول مقتل جنود فرنسيين شبان، وذلك على بعد آلاف الكيلومترات من الأراضي الفرنسية.
من جانبه، حصل بول كاغامي على راعٍ قوي هو فرنسا، إحدى أهم القوى في أوروبا، وأحد أعضاء مجلس الأمن الأممي. في المقابل، بالنسبة لباريس، يعتبر الجيش الرواندي البديل المثالي لإخضاع تلك الدول الأفريقية لها نظرا لما تعانيه من صعوبات أمنية، وتفكر -في الوقت نفسه- في اللجوء إلى الحل الروسي “فاغنر”. علما أن الخيار الرواندي يحظى بميزة مهمة، كونه يسمح لرؤساء الدول الأفريقية بطمأنة شعوبهم من منطلق كون الروانديين هم أفارقة مثلهم قبل كل شيء. فعند معرض سؤاله عن سبب قرار رواندا إرسال قواتها للقتال في موزمبيق، أخرج بول كاغامي “الوحدة الأفريقية” من الخزانة للرد بسخرية: “الأفارقة قادرون ويمكنهم إيجاد حلول لمشاكلهم الأكثر صعوبة. لا شيء يمنعنا من ضمان الاستقرار والتقدم والرفاهية للشعوب الأفريقية. لهذا السبب لم تتردد رواندا، عندما طُلب منا انضمام قواتنا المسلحة إلى القوات الموزمبيقية، لتحقيق الأمن في هذه المنطقة”.74
قد تبدو من الوهلة الأولى، عملية المقارنة المسبقة بين جيش نظامي (رواندا) وجيش من المرتزقة (فاغنر) غير ملائمة. غير أنه إذا ما تم إمعان النظر في منهجيات وأهداف، وكذا في مجالات عمل كل منهما ، سنجدها جد متشابهة. إذ هنالك تقاطع كبير بين هذين الجيشين المتواجدين بشكل عام في نفس مسارح العمليات الأفريقية. ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، كلاهما مرابط هناك في مكانه حماية للسلطة القائمة في البلد. في موزمبيق، فسح فاغنر – بعد مضي ثلاث سنوات (من 2019 إلى 2021) من تواجده فيها- الطريق أمام الجيش الرواندي لأن يكون حاضرا هو الآخر فيها، في إطار إبرام عقد عمل موقع بين المرتزقة الروس والحكومة الموزمبيقية من أجل حل مشكلة ما يوصف بـ “الإرهابيين” في مقاطعة كابو ديلغادو. الأمر الذي لم توفق فيه تلك المجموعة. أما حاليا، فكلا الجيشان يتطلعان إلى مالي. فبعد رحيل القوات الفرنسية من مالي، ستعمل فاغنر على نشر فواتها في منطقة الساحل.
أما بخصوص رواندا، ففي أكتوير 2020 توجه رئيس أركان الجيش فيها “جان بوسكو كازورا- Jean Bosko Kazora” إلى باماكو، إلتقى خلالها بقائد الجيش المالي “عمر ديارا” ووزير الدفاع ساديو كامارا، قدم لهما خلالها أيضا عرضا من أجل تأسيس تعاون أمني ثنائي بين بلديهما.75علما أنه، لا يوجد لدى رواندا ولا حتى فاغنر أية مصالح حيوية أو خاصة يمكن أن تذكر أو تبرر التدخل المسلح المسبق. وتتمثل النقطة المشتركة بينهما في كونهما يعملان لصالح قوى لديها طموحات جيوسياسية واقتصادية كبيرة. علاوة على ذلك، يتقاسم كل منهما خصوصية الدول التي يكثر ويُتطلع إلى الانتشار فيها، وذلك بسبب تربعها على احتياطيات كبيرة من المعادن، وبشكل خاص الذهب.
في الأخير، بإمكان التأكيد على أن كل هذه المعطيات تفضي إلى القول، إن تدخلات هذين الجيشين الممنهجة، إنما تنطلق من واقع يقوم على الجاذبية والحيوية الاستراتجية التي تتسم بها اتفاقيات التعدين، من خلال ما تُؤمّنه من مقابل مباشر نظير الخدمات التي يقدمانها على مسارح عمليات خطرة، وغير مكتملة المعالم والوضوح في نفس الوقت.
- المستقبل الأمني لمالي: سيناريوهات وتحديات
بعيدا عن أوجه عدم اليقين الأمني التي يعرفها المشهد في منطقة الساحل، إلا أن المؤكد فيه أنه سيكون لانسحاب فرنسا منها آثار وتداعيات من السهل التنبؤ بها، مثل: بروز فراغ أمني مقلق، وتدهور العلاقات بين المجلس العسكري المالي وشركائه الأوروبيين، بالإضافة إلى ظهور عقبات جديدة من شأنها عرقلة الجهود الإنسانية وجهود التنمية في المنطقة.
1.6. عودة الفراغ الأمني من جديد.
قد يترتب عن الانسحاب الفرنسي من المشهد في مالي خسارة الكثير من الإمكانات والقدرات العسكرية – خاصة طائرات الهليكوبتر الحربية والمستشفيات الميدانية– التي اعتمدت عليها قوات حفظ السلام الأممية، وكذا قوات دول المنطقة، بل وحتى قوات الشركاء الأوربيين في مالي. وهو ما يدفع تلقائيا ببقية الفاعلين في المنطقة، ومالي على وجه الخصوص، إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تعويض النقص الذي يخلفه ذاك الانسحاب، وضمان استمرار عمليات حفظ السلام، سيما وأن قوات برخان الفرنسية كانت -مع قوات فرقة العمل متعددة الجنسية الأوربية العسكرية في مالي “تاكوبا”- الأكثر حضورا ومشاركة وبشكل مباشر في القتال ضد التنظيمات المسلحة في مالي. بينما كانت مهام بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” تقتصر على تنفيذ مخرجات اتفاق الجزائر للسلام لعام 2015، بشأن النزاع بين الحكومة المالية والجماعات المتمردة المتمركزة في شمال هذا البلد، بما فيه حماية المدنيين.76 ومن المرجح أيضا، تأثير هذا الانسحاب على قوات “مينوسما”.
إن قدرة مجموعة مرتزقة فاغنر على تعويض الانسحاب الفرنسي وتعزيز جهود القوة المركزية الخاصة بمكافحة ظاهرة ما يسمى بالإرهاب، هي مسألة فيها نظر. ففي واقع الأمر، هذا النوع من المجموعات كثيرا ما هو معتاد – من أجل تأمين مصالحه الاقتصادية – على الاستثمار في عدم الاستقرار السياسي. بالإضافة إلى كون ذلك النمط التعاوني له أيضًا عواقب وتبعات سياسية ودبلوماسية، وذلك نظرا للإدانة الدولية التي عرفها الغزو الروسي لأوكرانيا.
2.6. عدم فاعلية المبادرات الأوروبية في المنطقة.
لقد كان النهج الإستراتيجي الأوروبي تجاه منطقة الساحل – حتى قبل إعلان فرنسا انسحابها- تظهر عليه ومنذ البداية بوادر الفشل. بدليل امتناع الجيش المالي عن إجراء إصلاحات مهمة في قطاع الأمن، إلى جانب فشل كل أشكال التعاون الدولي في تعزيز السيطرة المدنية في هذا البلد. فضلا عن عجزها عن تفادي حدوث انقلابيْ 2020 و2021، واللذين كانا سببا في إرجاء المجلس العسكري في مالي الانتخابات إلى سنة 2025، توازيا مع وصول المرتزقة الروس إلى الأراضي المالية. كل تلك الأحداث أوقعت الحكومات الأوروبية في حالة من الشك وعدم اليقين بخصوص مستقبل تواجدها بالمنطقة، في وقت أعلنت فيه السويد عن انسحابها الكلي من فرقة عمل “تاكوبا” و”مينوسما” بمجرد حلول عام 2023 77. في حين أعربت وزيرة الدفاع الألمانية الجديدة “كريستين لامبريخت-Christine Lambricht” بقولها: إنه بات من الصعوبة بمكان تخيل بقاء القوات المسلحة الألمانية في بلد، تعطي فيه الحكومة انطباعًا بأن دولتها باتت غير مرحب بها.78
3.6. تنمية من دون أمن
من شأن الغزو الروسي لأوكرانيا أن يؤدي إلى تعقد المواقف في المنطقة، في ظل – وهو المرجح حاليا- إعادة توجيه الدول الأوروبية انتباهها ومواردها باتجاه الإيفاء بِـالتزاماتها أمام الناتو. فمن وجهة نظر لوجستية وسياسية، قد تصبح مسألة الحفاظ على وجود أوروبي عسكري دائم ومستمر في مالي أمرًا صعبًا للغاية. غير أن الحديث عن أي انسحاب، ومن أي نوع كان للقوات الأوروبية من بعثة “المينوسما” الأممية في مالي، هو أمر سابق لأوانه. كما أن هذا الأخير لو تحقق، ستكون له تداعيات جد سلبية على مساهمة الدول الأوروبية في عملية التنمية وتقديم المساعدات الإنسانية بالمنطقة. وهو ما يعني بالضرورة تدهورا إضافيا للوضع الأمني، وعقبة إضافية أخرى أمام جهود تحقيق الاستقرار فيها.
4.6. قرارات صعبة من شأنها أن تؤخذ
يوفر التغيير في المشهد الأمني لمنطقة الساحل بعد الانسحاب الفرنسي منها، فرصة للتفكير في أنواع أخرى من المشاركة الدولية في مالي. فهنالك حاجة ماسة إلى استراتيجية عسكرية جديدة قائمة على التنسيق الجيد مع الجهات الإقليمية الفاعلة، على غرار كل من “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (ECOWAS) والإتحاد الأفريقي. فلا ينبغي للجهات الأوروبية الفاعلة على وجه الخصوص، تكرار الخطأ الذي وقعت فيه سابقا (تهميشها لتلك المجموعة عام 2013). وقد أثبتت التجارب في المنطقة أن عملية الترويج لفكرة كون مجموعة الساحل الخمس لاعبا رئيسيا في تحقيق الأمن الإقليمي لم تعد كافية، وهذا على اعتبار أنها لا تزال تكافح من أجل أن تجد لها مكانا في المنطقة. علما أنها لا تزال أيضا تعتمد وبشكل كبير على المساعدات الفرنسية. فبدلا من اتباعها لنهج يركز على الإنسان، ويضع الأمن البشري في المقام الأول، ويساهم بشكل أو بآخر في تعزيز المجتمع المدني وبقية مؤسسات الحكم اللامركزية، فإنها وعلى العكس من ذلك، هي مستمرة في تبني واتباع نهج ونمط عسكري بحت.
خاتمة: (أي مستقبل ينتظر مالي؟)
بناء على ما سبق، واستشرافا للمستقبل، يمكن القول أنه بات أمام مالي أحد السيناريوهين الآتيين: الأول، هو أن تتجه نحو توقيع اتفاقية تعاون جديدة مع قوى عالمية أخرى، مثلما تفعل حاليا مع كل من روسيا ومجموعة فاغنر التابعة لها. وحسب وجهة نظر بعض الماليين وحكومتهم، يمثل هذا السيناريو أفضل حل يمكن اللجوء إليه لإدارة الوضع في البلاد. أما السيناريو الثاني، فيتمثل في الشروع في مفاوضات مع الجماعات المسلحة. وهو نهج طالما رفضته فرنسا. إلا أنه، من المحتمل أن تتجه الحكومة المالية إلى خيار التفاوض مع العناصر المالية (أو المكونات المالية) في تلك الجماعات، على غرار كل من “إياد أغ غالي” و”أمادو كوفا”، اللذين- في حالة ما إذا توصلوا إلى اتفاق معهما- يمكن لهما أن يخوضا إلى جانب القوات الحكومية، معركة مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبقية الجماعات المسلحة الأخرى في البلاد.
عموما، لا تزال تحديات الأمن والتنمية في مالي قائمة. وهو ما يضع المجلس العسكري أمام طريقين لا ثالث لهما: إما أن يختار العزلة الدولية، أو العمل من أجل السلام والتنمية وتحسين الظروف المعيشية لجميع الماليين. ففي حالة ما إذا لجأ إلى الخيار الثاني، فسيكون حينها في أمس الحاجة إلى دعم الشركاء الإقليميين والدوليين.
الهوامش والإحالات:
1 تأتي عملية “برخان” بعد انتكاسة عملية “سرفال”. وقد انطلقت (أي “برخان”) في 11 جانفي 2013، وذلك من أجل وقف تقدم الجماعات المتمردة المسلحة من الشمال باتجاه العاصمة مالي ودعم القوات المالية. حيث حشدت فرنسا آنذاك ما يقارب 1700 جندي من قواتها. لتحل محلها بعد ذلك في 1 أوت 2014 العملية العسكرية المسماة “برخان”، التي أطلقتها فرنسا بالتعاون مع خمس دول ساحلية (بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر وتشاد). وهي العملية التي انطلقت بنحو ثلاثة آلاف جندي فرنسي في إطار ما يمكن وصفه بـعمليات الاشتباك والمناورة التي تدخل في صميم المقاربة العسكرية الفرنسية الخاصة بما تطلق عليه بـ”عملية مكافحة الإرهاب” في منطقة الساحل.
2 فرقة العمل تاكوبا هي قوة عملياتية تتكون أساسًا من وحدات القوات الخاصة التابعة لعدة دول من الإتحاد الأوروبي. يتم وضعها تحت القيادة الفرنسية من أجل دعم ومساعدة القوات المسلحة المالية في عمليات ما تسميه بـ “مكافحة الإرهاب”. كما أن عمل وحداتها المنتشرة يتم بالتنسيق مع كل من مجموعة دول الساحل، وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة ومتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (MINUSMA). هذا إلى جانب الجهات الدولية الأخرى الفاعلة في النزاعات المسلحة في المنطقة. تم حلها في السنة الجارية (عام 2022). للمزيد، أنظر:
Thomas Hofnung, «Le conflit au Sahel, passage obligé pour l’Europe de la défense», Libération, 14 novembre 2012, P. 19.
3https://www.france24.com/fr/france/20220217-en-direct fin-de-partie-pour-l-op%C3%A9ration-barkhane-au-mali
4Jean-Hervé Jezequel, «Mali: défaire le coup d’Etat sans revenir en arrière», commentaire de Crisis Group, 21 août 2020, et rapport Afrique de Crisis Group N°299, Réordonner les stratégies de stabilisation du Sahel, 1er février 2021. P. 51.
5 https://www.bbc.com/afrique/region-60414704
6Ibid.
7 https://www.france24.com/fr/france/20220217-en-direct-fin-de-partie-pour-l-op%C3%A9ration-barkhane-au-mali
8 Ibid
9 في ذلك، أنظر:
«Au Mali, la junte nomme de nouveaux hommes à des postes stratégiques», Le Monde, 3 septembre 2020, P. 14.
10 Adam Sandor, «Elite Bargains and Political Deals in Mali’s Transition», United Kingdom Foreign Commonwealth & Development Office, February 2021. P. 89.
11Ibid.
12 https://www.lefigaro.fr/vox/monde/colonel-michel-goya-la-france-aurait-du-s-arreter-a-temps-au-mali-20220203
13https://www.cartercenter.org/peace/conflict_resolution/mali-io.html
14 هو ما سعت إليه باريس في وقت سابق، أي منذ فيفري 1986، من خلال عملية “إيبرفيي -Epervier” بتشاد، والتي كان الهدف منها – بحسب ما أعلنته سلطاتها- ضمان استقرار هذا البلد.
15 https://warontherocks.com/2020/04/france-should-give-mali-space-to-negotiate-with-jihadists/
16 “فاغنر” هي مجموعة عسكرية يستخدمها الكرملين من أجل تجنيد المرتزقة وتدريبهم ثم توزيعهم على مختلف مسارح العمليات خوضا للحروب أو لتأمين وتدريب قوات الأنظمة الصديقة لروسيا. غالبًا ما تطلق المصادر الغربية والروسية على هذه المجموعة اسم “شركة عسكرية خاصة”، غير أنها في الواقع ليست كذلك، على الرغم من أدائها لبعض الوظائف المشابهة لتلك الشركات. فهي عبارة عن كيان تجاري يعمل في سوق أمنية عالمية، غير مسجلة قانونيا في روسيا. علما أن هذه المجموعة محاطة بسرية كبيرة نظرا لكونها تأسست كقوة تابعة للجيش الروسي، لكن غير مصرح بها ، وتحت خدمة احتياجات ومصالح نظام بوتين. ما يعني، أنها لم تكن في أي حال من الأحوال جزءًا من مخططات الكرملين الرئيسية. حيث شكلت سياسة موسكو في اتخاذ قرارات خاصة أحد أهم أسباب تشكيل وتطور هذه المجموعة، في وقت كان يبحث فيه الكرملين سنتي 2014 و2015 عن طرق أخرى مقبولة سياسياً لخوض الحروب في كل من أوكرانيا وسوريا.
نشرت موسكو فاغنر لأول مرة في أوكرانيا في وقت كانت فيه بحاجة إلى خوض حروب سرية، تكتما عن ضحايا القوات الروسية أمام الجمهور الروسي، وتخفيفا من التداعيات الدولية جراء التدخل الروسي في أوكرانيا.علما أن استخدام المرتزقة أو الوكلاء هو تكتيك له جذوره العميقة في التاريخ الروسي، خاصة خلال الحرب الباردة. حيث تم اللجوء إلى استخدام وتوظيف المتطوعين ومجموعات أخرى غير نظامية على الأراضي الأوكرانية. هذا أمام إجراءات موسكو لتقليص عدد الأفراد في الخدمة الفعلية، في ظل تسترها عن هويتهم العسكرية الجديدة. ليتم تجنيد تلك المجموعات بعدها، عمليا وعلى أرض الواقع، وبشكل سريع في عام 2014، قبل أن تلجأ روسيا إلى كل من الجهات الفاعلة، الخاصة والحكومية من أجل دعم وتمويل وتنظيم جهود هذه المجموعات. حيث استفادت أولى المجموعات غير النظامية التي حشدت من خلالها موسكو العناصر التي شكلت فيما بعد ما أصبح يعرف بـ “فاغنر”، من دعم المخابرات العسكرية الروسية (GRU)، التي قامت بتعزيز رتب ما يسمى بالرجال الخضر الصغار في روسيا. وهي قوات لا تحمل أية علامات، وهي ذاتها التي قامت بالاستيلاء عام 2014 على شبه جزيرة القرم. ويُعد هؤلاء بمثابة وحدة متقدمة تنتمي إلى مجموع وحدات فاغنر، تعمل تحت قيادة “ديمتري أوتكين – Dimitri Utkin” (أحد قدامى المحاربين في روسيا، كان ينتمي إلى قوات العمليات الخاصة، الوحدة العملياتية التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية. كان هو ووحدته تحت سيطرة هذه القوات إبان الحرب الروسية في شرق أوكرانيا. وقد ضمت مجموعته عناصر غير منضبطة في الكثير من الأحيان. وهي المجموعة ذاتها التي أطلقت في تلك المرحلة على نفسها اسم فاغنر. كان مقرها في لوهانسك – Lohansk. كما خاضت الكثير من المعارك ضد القوات الأوكرانية).
في عام 2015، باشرت موسكو عملية تسريح بعض المجموعات غير النظامية في شرق أوكرانيا، بعد أن ضمنت قواتها تواجدها وسيطرتها على تلك الأراضي. غير أن التدخل الغربي في سوريا أعطى لمجموعة فاغنر حياة جديدة، في وقت أبدت فيه روسيا قلقها بشأن إمكانية الوقوع في خسائر كبيرة في حال تواجدها العسكري البري على الأراضي الأوكرانية. الأمر الذي اعتبرته هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فرصة مهمة للمضي قدمًا نحو تأسيس قوة مرتزقة دائمة، من خلال تحويل فاغنر إلى شركة عسكرية خاصة تُمكّنها من مساعدة القوات الروسية على الأرض.
يعتبر رئيس الأركان العامة الروسي، “فاليري غيراسيموف –Valeri Girasimov”، أن الشركات العسكرية الخاصة كانت واحدة من الجهود الغربية لزعزعة استقرار ليبيا خلال الربيع العربي. ليتم استنساخ نفس النهج في إطار تأسيس مجموعات قتالية تكون بمثابة الذراع السرية للدولة. حيث كان لدى الجيش الروسي بالفعل إطارات عسكرية مخلصة في فاغنر التي لا تزال تسيطر عليها المخابرات العسكرية الروسية. في عام 2015، تم نقل تلك المجموعة إلى جانب مرتزقة آخرين من شرق أوكرانيا إلى مكان سري جدا، أقل ما يمكن قوله هي قاعدة تدريب مجهزة تقع بجوار مقر “وحدة العمليات الخاصة” في جنوب روسيا. بقي أوتكين على رأس القيادة العسكرية لتلك المجموعة، لتتوسع دائرة عمليات فاغنر لتمتد مع مرور الوقت نحو سوريا، مع إضافة العديد من مجموعات الإستطلاع والإقتحام. في وقت عينت فيه هيئة الأركان العامة الروسية “يفغيني بريغوزين – Yivgni Brigon” ليكون الراعي الرسمي للمجموعة. حيث حصل بريغوزين على عقود دفاع مربحة تقدر بمئات الملايين من الدولارات لتوفير خدمات التنظيف والتموين والبناء وغيرها من الخدمات. وهو ما ساهم في تمويل توسع تلك المجموعة. للمزيد، انظر:
Nathaniel Reynolds, Putin’s Not-So-Secret Mercenaries: Patronage, Geopolitics, and the Wagner Group, Carnegie Endowment for International Peace, July 2019, Washington, pp., 1- 2
18https://www.pourleco.com/politique-economique/barkhane-cout-de-loperation-militaire-et-civile-au-mali
19 الحركة الوطنية للأزواد (MNA)، تأسست في نوفمبر 2010. هي: “منظمة سياسية تعمل من أجل الدفاع عن السياسة السلمية وتعزيزها من أجل تحقيق ما تعتبره الحركة أهدافا مشروعة لاستعادة جميع الحقوق التاريخية التي سلبت من أهالي أزواد”. اندمجت حركة الطوارق في شمال مالي (MTNM) بتاريخ 16 أكتوبر 2011 في المنظمة ليتشكل على إثرها تنظيما جديدا حمل اسم “الحركة الوطنية لتحرير أزواد”. للمزيد، أنظر:
Lamine Ould Mohammed Salem, Le Ben Laden du Sahara, sur les traces du jihadiste Mokhtar Belmokhtar, Éditions de La Martinière, 2014, p. 141.
20https://www.rfi.fr/fr/podcasts/reportageafrique/20210411-dans-les-coulisses-de-l-accord-de-niono-au-mali-1-4
21https://www.thenewhumanitarian.org/2021/03/11/exclusive-burkina-faso-s-secret-peace-talks-and-fragile-jihadist-ceasefire
22«La situation au Mali», Rapport du secrétaire-général des Nations unies,S2021/299, 26 mars 2021.P., 37.
23https://www.smallarmssurvey.org/sites/default/files/resources/SAS-SANA-Report-Niger-FR.pdf
24 إتفاق الجزائر، المعروف رسميًا باسم اتفاق السلم والمصالحة في مالي، هو اتفاق جاء من أجل إنهاء حالة الحرب في مالي. تم توقيعه في 15 ماي و 20 جوان من سنة 2015 في باماكو – بعد سلسلة من المفاوضات أجريت في الجزائر – بين جمهورية كل من مالي وتنسيقية حركات أزواد (CMA). للمزيد، أنظر:
Le Point magazine, «Mali: un “accord de paix et de réconciliation” signé à Alger», Le Point, 1er mars 2015, P. 22.
25https://www.recherches-internationales.fr/RI117/RI117_Soto_Mayor.pdf
26https://aoc.media/analyse/2021/06/13/de-barkhane-au-developpement-la-revanche-des-contextes/
28 ولد إياد آغ غالي عام 1954 في مدينة كيدال بمالي، وينتمي لقبيلة إيفوغاس العريقة. كان طفلا عندما نزع الرئيس المالي الراحل موديبو كيتا الزعامة من قبيلته إيفوغاس في إطار مساعيه للقضاء على المشيخات القبلية. وفي مدينة تمبكتو حيث أقام فترة من الزمن، يقول السكان إنه ليس من السهل معرفة حقيقة غالي لأنه لا يتحدث مع السكان المحليين إلا نادرا. للمزيد، أنظر:
29 الداعية “الفولاني محمد كوفا” تابع إلى “أغ غالي” ضمن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، لكن سلطته تزايدت منذ تأسيسه لكتيبة ماسينا، كان ذلك عام 2015. للمزيد، أنظر:
30https://www.irsem.fr/data/files/irsem/documents/document/file/2441/Etude_IRSEM_n51_2017.pdf
31 محمود ديكو- Mahmoud Dicko من مواليد سنة 1954، إمام مالي من منطقة تمبكتو، ترأّس “المجلس الإسلامي الأعلى” في مالي من (جانفي/2008) إلى (أفريل/ 2019). يعتبر أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في مالي. عمل كوسيط بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة في شمال البلاد. بعد دعمه لإبراهيم أبو بكر كيتا في انتخابات 2013، انضم إلى المعارضة عام 2017. للمزيد، أنظر:
Célian Macé, «Mali: Mahmoud Dicko, l’imam qui défie le président IBK», Libération, 4 juin 2020, P. 11.
32 https://newlinesinstitute.org/al-qaeda/implications-of-al-qaeda-in-the-islamic-maghrebs-new-leadership/
33 هي منظمة تشكلت في فيفري 2014، وتضم خمسة دول، هي: بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر وتشاد. حيث دعمت الدبلوماسية والقوات العسكرية الفرنسية وبشكل كبير صعود مجموعة الساحل الخمس، التي أنشأت قوة عابرة للحدود في جويلية 2017.
34https://www.irsem.fr/data/files/irsem/documents/document/file/3233/RP_IRSEM_89.pdf
35https://cndhniger.org/images/pdf/Rapport_Final_Mission_Investigation_Inates_Ayorou_2020-CNDH-REPPAD-Last%20(2)_2.pdf
36 هي منظمة شبه إقليمية تضم كلا من: بوركينا فاسو، مالي والنيجر. هذا إلى جانب اثني عشرة دولة أخرى عضوة فيها.
37 https://afriquexxi.info/article4912.html
38 https://www.middleeasteye.net/fr/entretiens/france-mali-frappe-bounti-mariage-bavure-civils-rapport-onu-barkhane
39https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/hollowness-governance-talk-and-about-sahel-30026
40https://www.lemonde.fr/afrique/article/2022/02/18/barkhane-defaite-d-une-utopie-politico-militaire_6114184_3212.html
41https://www.rfi.fr/fr/afrique/20220225-niger-mohamed-bazoum-défend-la-venue-de-militaires-étrangers-supplémentaires
42 هي مفارز تضم حوالي ثلاثين جنديًا. مسؤولة عن مرافقة الوحدات المالية والنيجيرية أثناء القتال، بهدف مساعدتهم على تحسين أساليب أدائهم والسماح لهم بالاستفادة من بعض موارد القوات الفرنسية. من مآخذ هذا النوع من الأجهزة – بصرف النظر عن حقيقة أنه يعد أحد المداخل العسكرية النظامية يعاد من خلالها تنشيط النماذج الاستعمارية – هو أنه تنضوي تحته الكثير من العيوب الهيكلية على الرغم من كونه يعمل على تعزيز قدرات الشريك المحلي على المستوى التكتيكي.
43Eugenio Cusumano, Journal of Strategic Studies, 27 Feb 2015 p. 102, in:
https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09592318.2022.2021486
44Ibid, P.109.
45Ibid, P. 113.
46 Compte rendu N°12. Commission des affaires étrangères. Audition à huis clos du Général d’armée FLECOINTRE CEMA. Assemblée Nationale novembre 2021.
https://www.assembleenationale.fr/dyn/15/comptesrendus/cion_afetr/l15cion_afetr1920012_compte-rendu
47 Ministère de la défense, «Gagner la bataille conduire la paix: les forces terrestres dans les conflits aujourd’hui et demain», Armée de terre FT01, CDEF, janvier 2021, P.13.
48 Albert Bourgi. «Les enjeux géopolitiques de la crise malienne», Irenee, Université de Lauraine, «Civitas Europa», 2021/2, N°31, Cairn Info. P.14.
49هي منظمة توصف بـ “الإرهابية” تابعة لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
50 Olivier Hanne, «Barkhane: succès, atouts et limites d’une opération originale dans la bande sahélo-saharienne», RES MILITARIS, revue Européenne d’études militaires, Décembre 2016, P.19.
51Ibid, P.21.
52Ibid, P. 26.
53 Ministère de l’Europe et des affaires étrangères. «L’action de la France au Sahel», in:
54 السياسات الخفية (Underground Politics): هي مجموعة من التفاعلات السرية تتم بين الدول، أو بين الدول والفواعل المسلحة من دون الدول، وتلعب دورا مهما ومؤثرا في مسار التطورات الدولية. حيث يؤدي إلقاء الضوء عليها إلى تقديم فهم أكثر عمقا للعلاقات الدولية. وتعد أبرز تلك السياسات والتفاعلات في الدبلوماسية السرية، ودبلوماسية المسار الثاني، والتفاوض مع الجماعات المسلحة، والعمليات التآمرية. للمزيد، أنظر: مفاهيم المستقبل (ملحق دوري يصدر مع “اتجاهات الأحداث”)، تحرير: شادي عبد الوهاب، العدد 21، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الإمارات العربية المتحدة، مايو – يونيو 2017، ص.، 1. ممكن الرجوع إلى المقال من خلال الرابط الآتي:
56 https://www.france24.com/fr/afrique/20211201-en-centrafrique-avantage-%C3%A0-moscou-et-au-groupe-wagner-dans-le-bras-de-fer-avec-l-ue
57Ibid.
60 https://www.jambonews.net/actualites/20220214..,op.cit.
62 https://www.jambonews.net/actualites/20220214..,op.cit.
63 https://cddmoz.org/wp-content/uploads/2021/11/Is-France-using-development-aid-to-finance-the-intervention-of-Rwandan-troops-in-Mozambique.pdf
64 Ibid.
65 https://www.jambonews.net/actualites/20220214…op. cit.
66 Ibid.
86عملية سانغاريس هي اسم لعملية عسكرية قام بتنفيذها الجيش الفرنسي في جمهورية إفريقيا الوسطى في الفترة الممتدة بين 5 ديسمبر 2013 و31 أكتوبر 2016. علما أن العملية هذه تعد التدخل العسكري الفرنسي السابع من نوعه منذ استقلال البلاد عام 1960. للمزيد، انظر:
Raphael Granvaud, Centrafrique: la France évincée par Moscou?, Billets d’Afriques, novembre 2018, P. 17.
70 https://www.jambonews.net/actualites/20220214..,op.cit.
71 Ibid.
72 Ibibid.
73 تم نشر مرتزقة مجموعة فاغنر في حالات كثيرة من النقاط الجغرافية الأفريقية، لا سيما في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومدغشقر وموزمبيق، ومؤخراً في مالي.
74 https://www.youtube.com/watch?v=VXX6B_4uffc
75 https://www.africaintelligence.fr/afrique-est-et-australe_diplomatie/2021/12/10/comment-kigali-exporte-son-savoir-faire-militaire-sur-le-continent,109709922-ar2
سجل في النشرة البريدية
سجل في النشرة البريدية ليصلك جديد المؤسسة